عالم النمل

بعيش النمل على شكل جماعات منظمة لها أنظمتها وعاداتها وبيوتها كما للمجتمعات الإنسانية عاداتها وأعرافها وتقاليدها ولكن دون أنانية , بل تعاون وثيق وتماسك , وعدم تفكك وقطيعة انه مجتمع النمل العجيب الذي شاءت قدرة الله تعالى أن يحافظ على بقائه فقاوم الانقراض بفعل عالمه الاجتماعي المنظم والدقيق فهو مجتمع أنثوي بحت وكل عماله من الإناث ( مجتمع الأم وبناتها ) والعمل يكون من أجل حياة أفضل تتعاون النملة مع أختها ضد أي اعتداء خارجي وتعين لها موضع الطعام ويحدد مكان الخطر أو الهجوم القادم على مستعمراتها وذلك بفعل مادة كيماوية يفرزها النمل في غدة داخل جسمها وهذه المادة هي لغتها الناطقة المميزة 0
كيف يتكاثر النمل:
النمل لا يتزاوج ولا يتناكح إنما يسقط منه شيء حقير في الأرض فينمو حتى يصير بيضا ويتكون من البيض النمل , والنمل تخترق جيوشه عمقا يبلغ ستة أمتار لكي تعشش والمثير للدهشة حقا أن العش الواحد له /1000/ ثقب لدخول وخروج السكان من العش الواحد يتكاثر النمل بمعدل 38500 ذكر و5340 أنثى كل ثلاث سنوات وفي الحصاد يشتد النشاط بحيث تصبح مملكة النمل منافسة لفصائل القوارض فيما يتعلق بجمع البذور ونقلها من مكان إلى آخر 0
أنواع النمل :
1- النمل الراعي : يشبه الإنسان الذي يرعى الماشية لكي يستفيد منها فالنمل الراعي يرعى الذباب الأخضر ويحلبه كما يحلب الإنسان ماشيته وإذا أرادت نملة أن تحلب ذبابة خضراء فإنها تضربها بقرون استشعارها وتستجيب الذبابة لذلك بإفراز قطرة من سائل حلو تلعقه النملة مباشرة .
2- النمل الخباز : تقوم بعض أنواع النمل التي تجمع الحبوب بطحنها بواسطة فكوكها ومزج الدقيق باللعاب لتكون العجين الذي تقطعه بعد ذلك إلى أرغفة صغيرة .
3- نمل الحصاد : يقوم بجمع الحبوب / القمح , الذرة الرفيعة وغيرها من الحبوب / وخزنها في باطن الأرض .
4- نمل السويا : وقاطع الأوراق يوجد في غابات أفريقيا الاستوائية حيث يمكننا أن نرى قطارا من أوراق الشجر المتحرك كا نملة تحمل ورقة وعندها تخزن في حجرات تحت الأرض يسمدها النمل ببراز فراش معين ينمو عليها بعض الفطر يتغذى منه , ومن الجدير ذكره هنا يقال بان النمل يكنى بابي مشغول وأم نوبة وأم مازن وسميت نملة لكثرة حركتها وقلة قوائمها .
النمل شديد التمسك بالحياة:
يعمل من اجل البقاء وعمله يشبه عمل الإنسان في البناء وشق الطرق وحفر الأنفاق وتخزين الطعام وبعضها يزرع حتى الحدائق والنباتات لكنه عكس الإنسان لا يعلن الحرب بين مجتمعاته ولا يأخذ أسرى من النمل الضعيف فهو متمسك بشكل عجيب بالحياة وكأنه يقول أن الحياة تبدأ من خلال تضحية في سبيلها فقد عاشت نملة حوالي ثلاثة أيام تحت الماء وظلت أخرى ثمانية أيام بدون هواء وبقيت ثالثة حية مدة 43 يوما بعد انفصال رأسها عن جسدها ومن عجائبه اتخاذ القرى تحت الأرض وكذلك المنازل والدهاليز وغرف وطبقات معلقة يملؤها حبوبا وذخائر للشتاء ويجمع غذاء سنتين لو عاش ولا يكون عمره أكثر من سنة , ولكل مستعمرة نملية هدف واحد هو استمرار الحياة وزيادة عدد أفراد المستعمرة ويضحين المقاتلات منهن بحياتهن من أجل المستعمرة والدفاع عنها حيث يجمع الطعام ويتم تغذية الملكة وصغار النمل وبناء العش وإدارة المستعمرة والعاملة من النمل تضحي كونها قادرة على وضع البيض وتترك للملكة وحدها تقوم بتربية الصغار أما الذكر فقد تبين من خلال دراسة العالم للسلوك الحيواني في جامعة هارفرد انه يجري إنتاج الذكور فقط لغرض تلقيح الملكات الجديدة وعندها ينتهي الذكر بالموت 0

النملة تستطيع أن تحمل ما يعادل وزنها ب50 مرة :
ليس من الحيوانات ما يحمل ضعف وزنه مرارا سوى النمل فهي تحمل ما يعادل وزنها
بـ/ 50 / مرة على انه لا يرضى بأضعاف الأضعاف فهو أقوى من الإنسان وثبت ذلك بالأرقام على سبيل المثال نملة بالنسبة لنا صغيرة الشأن ضئيلة الوزن لكن من الضآلة قد تنبع القوة إذ أنها تستطيع أن تحمل بين فكيها طعاما أثقل من وزنها بحوالي / 50 / مرة ولنأخذ وزن الإنسان /80 / كغ يحمل بين فكيه لو قارن بالنملة/4000 / كغ حتى يكسب الرهان من نملة فهو خسران حتى لو استعمل يديه ورجليه وفكيه لان الرقم العالمي أصغر من ذلك بكثير حوالي / 212 / كغ وتلك هي قدرة الله في بديع صنعه .
النمل عظيم الحيلة:
يجد النمل في طلب الرزق فإذا وجد شيئا انذر الباقين ليأتوا إليه ويحتكر قوته في زمن الصيف للشتاء وله حيلة ما انه إذا احتكر ما يخاف إنباته قسمه إلى نصفين ما خلا الكفرة فانه يقسمها أرباعا لمآلهم من كل نصف منها ينبت وإذا خاف العفن على الحب أخرجه ونشره على سطح الأرض وأكثر ما يفعل ذلك ليلاقي ضوء القمر وان حياته ليست من قبل ما يأكله ولا قوامه ذلك لأنه ليس له جوف ينفذ منه الطعام ولكنه مقطوع نصفين إنما قوته إذا قطع الحب واستنشق ريحه وذلك أن النمل شديد الشم0
النمل يسلك سلوكاً عسكرياً:
هناك بعض النمل يؤدي وظائف الجيش ويسلك سلوكا عسكريا منظما وهذا ما لاحظه عالم البيئة البريطاني تشارلزالتون في غابات الأمازون حيث كتب قائلا إن رؤية حشد من حشود النمل في هجمة من هجماته لبناء مستعمرة جديدة هو مشهد من المشاهد التي تلهم الإنسان رهبة شديدة حيث يوجد المحارب الذي يسير كسير الجيوش وهو حقا من آكلة اللحوم يشاهد هذا النوع في غابات أمريكا الاستوائية ويبدو في أفريقيا اشد تخريبا وهناك مقاتلات يضحين بحياتهن من أجل المستعمرات وكذلك تقف بعض المحاربات للحراسة من الغرباء والأعداء وتقاتل حتى الموت لحماية مملكة النمل وهناك أيضا عناصر هندسة من النمل ويعرف هذا النمل بالنمل المهندس الذي يعبر المجاري المائية الصغيرة يتماسك عدد من النمل على هيئة سلسلة بواسطة الفكوك والأيدي لتكون جسرا أو معبرا فوق المياه تمر عليه الشغالات الأخرى وتمشي العساكر في المقدمة بينما تقوم أفراد أخرى بحماية جناحي الجيش وتعين حرسا للمؤخرة وإذا تحرك الطابور بخط مستقيم لا يعوقه شيء عدا النار والماء ويهرع الأهالي في تلك الأماكن في فزع عندما تدخل جيوش النمل أكواخهم وتقضي على ما فيها من قمل وبراغيث وصراصير ولا ننس أن الله قد أهلك بالنمل أمة من الأمم وهي جرهم
قصة النملة مع نبي الله سليمان عليه السلام:
وذلك من خلال حوار جرى في وادي النمل بالشام ما بين نبي الله سليمان عليه السلام وما بين نملة ذكية حيث تكلمت النملة وهذا غير مستبعد لان الله تعالى قادر على كل شيء والآية الكريمة تبين قصة هذه النملة والحوار الذي دار يقول سبحانه وتعالى : (( حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون , فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى ولدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين ))(سورة النمل الآية:18,19 فالنملة هنا خاطبت رفيقاتها مخاطبة العقلاء لأنها أمرتهم بما يؤمر به العقلاء ( لا يحطمنكم سليمان وجنوده ) أي ليكسرنكم بجيوشه بأقدامهم وهم لا يشعرون بكم ولا يريدون حطامكم عن عمد ، حذرت ثم اعتذرت من نبي الله سليمان الذي منحه الله أن يفهم لغة الحيوان وعلمت بأنه نبي رحمة فسمع كلامها وفهم ما تريد فضحك من قولها سرورا بما سمع من ثناء النملة عليه وعلى جنوده ( وهم لا يشعرون ) حيث وصفتهم بالتقوى والتحفظ من مضرة الحيوان0
كما يقال أن نبي الله سليمان قال لها لما قلت للنمل ادخلوا مساكنكم اخفت عليهم ظلما قالت لا ولكني خشيت أن يفتنوا بما يرون من جمالك وزينتك فيشغلهم ذلك عن طاعة الله وعن مقاتل عن نبي الله سليمان يقال انه سمع كلامها من ثلاثة أميال تلك عظمة قدرة الخالق سبحانه وتعالى وكما روي الدار قطني عن الحاكم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تقتلوا النملة فان سليمان عليه السلام خرج ذات يوم يستقى فإذا بنملة مستلقية على قفاها رافعة قوائمها تقول : اللهم أنا خلق من خلقك لاغني لنا عن فضلك اللهم لاتواخذنا بذنوب عبادك الخاطئين واسقنا مطر تنبت لنا به شجرا وتطعمنا به ثمرا فقال سليمان لقومه : ارجعوا فقد كفيتم وسقيتم بغيركم )
فوائد النمل:
1- يفيد في خصوبة التربة إذ أن النمل يقيم بتجمعات كبيرة داخل الأرض وبالتالي يعمل على تنشيطها وتكون خصبة
2- أن النمل ينتج مادة مضادة حيويا لكبح جماح انتشار الأمراض في مستعمراته وقد بينت التجارب التي أجراها فريق العلماء البيولوجيا في استراليا أن هذا ا المضاد الحيوي ذو فعالية كبيرة ضد عدد من الجراثيم المرضية التي تصيب الإنسان
3- ولدى دراسة بعض أنواع النمل تبين أن الإفرازات الشمعية التي تصدر عنها بها خواص مضادة شديدة الفعالية في مكافحة الفطريات وبعض أنواع البكتريا وقد تبين أن هذه التحليلات الطبية أن المضادات الحيوية تختلف عن المضادات الحيوية المعروفة ضد البكتريا والفطريات وقد يتم تصنيفها تجاريا لمعالجة الأمراض وفي الختام نقول ك حقا انه عالم النمل العجيب عالم القوة والذكاء عالم التعاون والتماسك والبناء وعالم التضحية من أجل البقاء ولو قدر له أن يخاطب البشر لقال لهم : ( إذا أردتم أن تتعلموا الحكمة وتقضوا على القطيعة وتحققوا مجتمع المتماسك الموحد وتقضوا على الأنانية فتعلموا منا نحن معشر النمل ومهما عرفنا عن العالم والمخلوقات فثمة أمور كثيرة وغريبة لم يكتشفها العلماء بعد وهم يواصلون دراساتهم وأبحاثهم يحاولون فهم ما يجري في هذا الكون وسبحان الله العظيم مبدع هذا الكون ( ويخلق ما لا تعلمون )0000
المراجع:
(1) دنيا الحشرات / فردنيالين المعرفة المجلد التاسع
(2) كتاب حياة الحيوان الكبرى وهوامشه للشيخ كمال الدين الدميري
(3) تفسير الإمام العلامة فخر الدين الرازي
(4) صفوة التفاسير / الصابوني/
(5) صحيفة البيان الإماراتية العدد /5010/ 7 آذار 1994
(6) مجلة الجندي العربي العدد 392 أيلول 1993